الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
صِفَةُ اللِّعَانِ: هُوَ أَنَّ مَنْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِالزِّنَا هَكَذَا مُطْلَقًا، أَوْ بِإِنْسَانٍ سَمَّاهُ سَوَاءٌ كَانَ قَدْ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا كَانَا مَمْلُوكَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا وَالآخَرُ حُرًّا أَوْ مُسْلِمَيْنِ، أَوْ هُوَ مُسْلِمٌ وَهِيَ كِتَابِيَّةٌ، أَوْ كَانَا كِتَابِيَّيْنِ، أَوْ كَانَ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ، أَوْ فِي زِنًى، أَوْ هِيَ كَذَلِكَ أَوْ كِلاَهُمَا، أَوْ أَحَدُهُمَا أَعْمَى أَوْ كِلاَهُمَا، أَوْ فَاسِقَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا ادَّعَى رُؤْيَةً أَوْ لَمْ يَدَّعِ: فَوَاجِبٌ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَجْمَعَهُمَا فِي مَجْلِسِهِ طَلَبَتْ هِيَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ تَطْلُبْهُ، طَلَبَ هُوَ ذَلِكَ أَوْلَمَ يَطْلُبْهُ، لاَ رَأْيَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ. ثُمَّ يَسْأَلُهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا رَمَاهَا بِهِ فَإِنْ أَتَى بِبَيِّنَةِ عُدُولٍ بِذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الشَّهَادَةِ بِالزِّنَا أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ. فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِالْبَيِّنَةِ قِيلَ لَهُ: الْتَعِنْ فَيَقُولُ: بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ، بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ، بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ، بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ هَكَذَا يُكَرِّرُ. " بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ " أَرْبَعَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ يَأْمُرُ الْحَاكِمُ مَنْ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى فِيهِ، وَيَقُولُ لَهُ: إنَّهَا مُوجِبَةٌ فَإِنْ أَبَى، فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ كُنْت مِنْ الْكَاذِبِينَ فَإِذَا أَتَمَّ هَذَا الْكَلاَمَ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ لَهَا، وَاَلَّذِي رَمَاهَا بِهِ. فَإِنْ لَمْ يَلْتَعِنْ حُدَّ حَدَّ الْقَذْفِ، فَإِذَا الْتَعَنَ كَمَا ذَكَرْنَا، قِيلَ لَهَا: إنْ الْتَعَنَتْ وَإِلَّا حُدَّتْ حَدَّ الزِّنَا، فَتَقُولُ: بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ، بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ، بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ، بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ تُكَرِّرُ " بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ " أَرْبَعَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ تَقُولُ: وَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ إنْ كَانَ لَمِنْ الصَّادِقِينَ، وَيَأْمُرُ الْحَاكِمُ مَنْ يُوقِفُهَا عِنْدَ الْخَامِسَةِ، وَيُخْبِرُهَا بِأَنَّهَا مُوجِبَةٌ لِغَضَبِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا، فَإِذَا قَالَتْ ذَلِكَ بَرِئَتْ مِنْ الْحَدِّ، وَانْفَسَخَ نِكَاحُهَا مِنْهُ، وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ أَبَدَ الآبِدِ لاَ تَحِلُّ لَهُ أَصْلاً لاَ بَعْدَ زَوْجٍ، وَلاَ قَبْلَهُ، وَلاَ وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ، لَكِنْ إنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ حُدَّ فَقَطْ. وَأَمَّا مَا لَمْ يُتِمَّ هُوَ اللِّعَانَ أَوْ تُتِمَّهُ هِيَ، فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا. فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ تَمَامِ اللِّعَانِ لَتَوَارَثَا، وَلاَ مَعْنَى لِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ بَيْنَهُمَا، أَوْ لِتَرْكِهِ، لَكِنْ بِتَمَامِ اللِّعَانِ تَقَعُ الْفُرْقَةُ. فَإِنْ كَانَتْ هِيَ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً حُدَّ هُوَ حَدَّ الْقَذْفِ، وَلاَ بُدَّ، وَلاَ لِعَانَ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ هُوَ مَجْنُونًا حِينَ قَذَفَهَا فَلاَ حَدَّ، وَلاَ لِعَانَ. وَيَتَلاَعَنُ الأَخْرَسَانِ كَمَا يَقْدِرَانِ بِالْإِشَارَةِ. فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ الْمُلاَعَنَةُ حَامِلاً فَبِتَمَامِ الأَلْتِعَانِ مِنْهُمَا جَمِيعًا يَنْتَفِي عَنْهُ الْحَمْلُ ذَكَرَهُ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ إِلاَّ أَنْ يُقِرَّ بِهِ فَيَلْحَقَهُ، وَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ فِي قَذْفِهِ لَهَا مَعَ إقْرَارِهِ بِأَنَّ حَمْلَهَا مِنْهُ إذَا الْتَعَنَ. فَلَوْ صَدَّقَتْهُ هِيَ فِيمَا قَذَفَهَا بِهِ، وَفِي أَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ مِنْهُ حَدَثَ، وَلاَ يَنْتَفِي عَنْهُ مَا وَلَدَتْ، بَلْ هُوَ لاَحِقٌ بِهِ فَإِنْ لَمْ يُلاَعِنْهَا حَتَّى وَضَعَتْ حَمْلَهَا فَلَهُ أَنْ يُلاَعِنَهَا لِدَرْءِ الْحَدِّ عَنْ نَفْسِهِ. وَأَمَّا مَا وَلَدَتْ فَلاَ يَنْتَفِي عَنْهُ بَعْدُ أَصْلاً. فَلَوْ طَلَّقَهَا وَقَذَفَهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ لاَعَنَهَا. فَلَوْ قَذَفَهَا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ حُدَّ، وَلاَ تَلاَعُنَ، وَلاَ يَضُرُّهُ إمْسَاكُهَا وَوَطْؤُهَا بَعْدَ أَنْ قَذَفَهَا، بَلْ يُلاَعِنُهَا مَتَى شَاءَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّ كُلَّ زَوْجٍ قَذَفَ امْرَأَتَهُ فَإِنَّهُ يُلاَعِنُهَا إذْ ذَكَرْنَا صِفَةَ اللِّعَانِ، فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وقال أبو حنيفة: إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا أَوْ كَافِرًا فَلاَ لِعَانَ وَهَذَا تَحَكُّمٌ بِالْبَاطِلِ، وَتَخْصِيصٌ لِلْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ الْفَاسِدِ. فَإِنْ قَالُوا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قلنا: بَاطِلٌ مَا قُلْتُمْ، بَلْ شَهَادَتُهُ كَشَهَادَةِ الْحُرِّ، وَأَنْتُمْ لاَ تُجِيزُونَ شَهَادَةَ الأَعْمَى، وَلاَ شَهَادَةَ الْفَاسِقِ، وَتُوجِبُونَ اللِّعَانَ لَهُمَا. وَرُوِّينَا عَنْ الشَّعْبِيِّ: لاَ يُلاَعِنُ مَنْ لاَ شَهَادَةَ لَهُ. قال أبو محمد: وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ فَاسِدَةٌ، لاَ يُصَحِّحُهَا قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ سَمَّاهَا شَهَادَةً، فَلَيْسَتْ مِنْ سَائِرِ الشَّهَادَاتِ الَّتِي يُرَاعَى فِيهِ الْعَدْلُ مِنْ الْفَاسِقِ، لأََنَّ تِلْكَ الشَّهَادَاتِ لاَ يَحْلِفُ فِيهَا الشَّاهِدُ بِهَا، وَشَهَادَاتُ اللِّعَانِ أَيْمَانٌ، وَسَائِرُ الشَّهَادَاتِ لاَ يُقْبَلُ فِي أَكْثَرِهَا إِلاَّ اثْنَانِ، وَشَهَادَةُ اللِّعَانِ إنَّمَا هِيَ مِنْ وَاحِدٍ، وَسَائِرُ الشَّهَادَاتِ لاَ يُقْبَلُ فِيهَا الْمَرْءُ لِنَفْسِهِ، وَشَهَادَةُ اللِّعَانِ إنَّمَا هِيَ لِنَفْسِهِ لِيَدْرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ، وَلِيُوجِبَهُ عَلَى الْمَرْأَةِ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ اللِّعَانُ حُكْمَ سَائِرِ الشَّهَادَاتِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ الْتَعَنَ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ وَإِلَّا حُدَّتْ هِيَ: فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ اللِّعَانِ الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ. وَقَوْلِهِ: إنَّهُ رَمَاهَا بِإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ فَحَدٌّ وَاحِدٌ يُسْقِطُ التَّلاَعُنَ فَلَمَّا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَوَّلُ لِعَانٍ كَانَ فِي الإِسْلاَمِ: أَنَّ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ شَرِيكَ ابْنَ السَّحْمَاءِ بِامْرَأَتِهِ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ، وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكِ يُكَرِّرُ ذَلِكَ مِرَارًا، فَقَالَ لَهُ هِلاَلٌ: وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ لَيَعْلَمُ إنِّي لَصَادِقٌ وَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ مَا يُبْرِئُ بِهِ ظَهْرِي مِنْ الْجَلْدِ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إذْ نَزَلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ، فَدَعَا هِلاَلاً فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ. ثُمَّ دُعِيَتْ الْمَرْأَةُ فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ، فَلَمَّا كَانَ فِي الرَّابِعَةِ أَوْ الْخَامِسَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِّفُوهَا فَإِنَّهَا مُوجِبَةٌ، فَتَلَكَّأَتْ حَتَّى مَا شَكَكْنَا أَنَّهَا سَتَعْتَرِفُ ثُمَّ قَالَتْ: لاَ أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ فَمَضَتْ عَلَى الْيَمِينِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اُنْظُرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَبْيَضَ سَبِطًا قضيء الْعَيْنَيْنِ فَهُوَ لِهِلاَلِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ آدَمَ جَعْدًا رَبْعًا حَمْشَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ السَّحْمَاءِ فَجَاءَتْ بِهِ آدَمَ جَعْدًا رَبْعًا حَمْشَ السَّاقَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْلاَ مَا سَبَقَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ. وَلَيْسَ فِي الآيَةِ مَا يَزِيدُهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ فِي الْيَمِينِ مِنْ قَوْلِ: الَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ، وَلاَ غَيْرَ ذَلِكَ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَبَيْنَ أَنْ يَزِيدَ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، الَّذِي مَنْ قَالَهُ أُجِرَ، وَمَنْ تَرَكَهُ فِي يَمِينِهِ لَمْ يُحْرَجْ، وَإِنَّمَا يُقْضَى عَلَى النَّاسِ بِمَا أَمَرَ بِهِ اللَّهُ، لاَ بِمَا لاَ يَلْزَمُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَ أَجْرًا. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَمَّا السِّجْنُ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: فَلاَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ الرَّقِّيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَمَرَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ بِاللِّعَانِ أَمَرَ رَجُلاً أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَقَالَ: إنَّهَا مُوجِبَةٌ. وَلاَ مَعْنَى لِزِيَادَةِ مَنْ زَادَ فِي يَمِينِ الْمُتَلاَعِنَيْنِ أَنْ يَقُولَ هُوَ: إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا، وَأَنْ تَقُولَ هِيَ: إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا؛ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَفَانَا بِمَا أَمَرَنَا بِهِ فِي الْقُرْآنِ عَنْ تَكَلُّفِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. وَكُلُّ رَأْيٍ زَادَنَا شَيْئًا فِي الدِّينِ لَمْ يَأْتِ بِهِ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَنَحْنُ نَرْغَبُ عَنْ ذَلِكَ الرَّأْيِ وَنَقْذِفُهُ فِي الْحَشِّ؛ لأََنَّهُ شَرْعٌ فِي الدِّينِ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. فَإِنْ قَالُوا: رُبَّمَا نَوَى: أَنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِي شَهَادَتِهِ بِالتَّوْحِيدِ، وَنَوَتْ هِيَ: أَنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِي قِصَّةٍ أُخْرَى. قلنا: هَبْكَ أَنَّهُمَا نَوَيَا ذَلِكَ، فَوَاَللَّهِ مَا يَنْتَفِعَانِ بِذَلِكَ، وَأَنَّ يَمِينَهُمَا بِمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُجَاهَرَةِ أَحَدِهِمَا فِيهِ بِالْبَاطِلِ مُوجِبٌ عَلَيْهِ اللَّعْنَةَ، وَعَلَيْهَا الْغَضَبَ، نَوَيَا مَا قُلْتُمْ أَوْ لَمْ يَنْوِيَا، وَلاَ يُمَوَّهُ عَلَى عَلَّامِ الْغُيُوبِ بِمِثْلِ هَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَّقَ بَيْنَ أَخَوَيْ بَنِي الْعَجْلاَنِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، وَالْبُخَارِيِّ قَالَ أَبُو دَاوُد :، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ :، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالاَ جَمِيعًا :، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ يَقُولُ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُتَلاَعِنَيْنِ: حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ لاَ سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا. قال أبو محمد: قَدْ رَوَيْته عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ سُفْيَانُ حَفِظْته مِنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: فَتَفْرِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُغْنِي عَنْ تَفْرِيقِ كُلِّ حَاكِمٍ بَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: لاَ سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا مَنَعَ مِنْ أَنْ يَجْتَمِعَا أَبَدًا بِكُلِّ وَجْهٍ، وَلَمْ يَقُلْ عليه الصلاة والسلام ذَلِكَ بِنَصِّ الْخَبَرِ إِلاَّ بَعْدَ تَمَامِ الْتِعَانِهِمَا جَمِيعًا، فَلاَ يَقَعُ التَّفْرِيقُ إِلاَّ حِينَئِذٍ. وَقَدْ رُوِّينَا أَنَّ مُصْعَبَ بْنَ الزُّبَيْرِ لَمْ يُوجِبْ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ. وقال أبو حنيفة: لاَ يَقَعُ التَّفْرِيقُ بِتَمَامِ اللِّعَانِ حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا الْحَاكِمُ، وَإِذَا فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا فَهِيَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ فَكَانَ هَذَا عَجَبًا وَنَقُولُ لَهُمْ: فَإِنْ أَبَى الْحَاكِمُ مِنْ التَّفْرِيقِ أَيَبْقَيَانِ عَلَى زَوْجِيَّتِهِمَا هَيْهَاتَ حَاكِمُ الْحُكَمَاءِ قَدْ فَرَّقَ، فَتَفْرِيقُ مَنْ بَعْدَهُ أَوْ تَرْكُهُ التَّفْرِيقَ نَبِيبُ تَيْسٍ مِنْ الْحَزْنِ سَوَاءٌ. وقال الشافعي بِتَمَامِ الْتِعَانِ الرَّجُلِ يَقَعُ التَّفْرِيقُ وَيَنْتَفِي الْوَلَدُ وَهَذِهِ أَيْضًا دَعْوَى بِلاَ برهان. وقال مالك كَمَا قلنا وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً حُدَّ لِلْقَذْفِ، وَلاَ لِعَانَ فِي ذَلِكَ؛ لأََنَّ الصَّغِيرَةَ وَالْمَجْنُونَةَ لاَ يَكُونُ مِنْهُمَا زِنًى أَصْلاً، لأََنَّ الزِّنَا مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَاتَانِ لاَ تَقَعُ مِنْهُمَا مَعْصِيَةٌ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍ فَذَكَرَ الصَّغِيرَ حَتَّى يَبْلُغَ، وَالْمَجْنُونَ حَتَّى يُفِيقَ. وَإِذَا وَجَبَ الْحَدُّ حَيْثُ لاَ يُوقَنُ بِكَذِبِهِ فَإِسْقَاطُهُ عَنْ الْقَاذِفِ حِينَ يُوقَنُ بِكَذِبِهِ خَطَأٌ، وَالْحَدُّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ رَمَى مِنَّا بِالزِّنَا. وَأَمَّا الأَخْرَسُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ. فَصَحَّ أَنَّهُ يَلْزَمُ كُلَّ أَحَدٍ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مَا اسْتَطَاعَ، وَالأَخْرَسُ يَسْتَطِيعُ الْإِفْهَامَ بِالْإِشَارَةِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا. وَكَذَلِكَ مَنْ لاَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ يَلْتَعِنُ بِلُغَتِهِ بِأَلْفَاظٍ يُعَبِّرُ بِهَا عَمَّا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ. وَالْعَجَبُ مِنْ زِيَادَاتِ أَبِي حَنِيفَةَ بِرَأْيِهِ، زِيَادَاتٌ فِي غَايَةِ السُّخْفِ عَلَى مَا فِي آيَةِ اللِّعَانِ، وَهُوَ يَرُدُّ أَوَامِرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْمَالَهُ كَالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِأَنَّهَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ، فَأَيُّ ضَلاَلٍ يَفُوقُ هَذَا. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّهُ بِتَمَامِ الْتِعَانِهِ وَالْتِعَانِهَا يَنْتَفِي عَنْهُ لِحَاقُ حَمْلِهَا، إِلاَّ أَنْ يُقَرِّبَهُ وَسَوَاءٌ ذَكَرَهُ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ إذَا انْتَفَى عَنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ: فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَعَنَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ فَانْتَفَى عَنْ وَلَدِهِ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ ". وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: إنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلاَنِيَّ فَذَكَرَ حَدِيثَ اللِّعَانِ وَفِيهِ فَكَانَتْ حَامِلاً فَكَانَ الْوَلَدُ إلَى أُمِّهِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّهُ لَمْ يُلاَعِنْهَا حَتَّى وَلَدَتْ، لاَعَنَ لأَِسْقَاطِ الْحَدِّ فَقَطْ، وَلاَ يَنْتَفِي وَلَدُهَا مِنْهُ، فَلأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْوَلَدُ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ. فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ وَلَدٌ فَهُوَ وَلَدُهُ إِلاَّ حَيْثُ نَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ حَيْثُ يُوقِنُ بِلاَ شَكٍّ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ وَلَدُهُ، وَلَمْ يَنْفِهِ عليه الصلاة والسلام إِلاَّ وَهِيَ حَامِلٌ بِاللِّعَانِ فَقَطْ، فَيَبْقَى مَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى لِحَاقِ النَّسَبِ، وَلِذَلِكَ قلنا: إنْ صَدَّقَتْهُ فِي أَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ مِنْهُ فَإِنَّ تَصْدِيقَهَا لَهُ لاَ يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: وَأَمَّا إذَا قَذَفَهَا وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلاَقٍ رَجْعِيٍّ مِنْهُ أَنَّهُ يُلاَعِنُهَا مَتَى رُفِعَ الأَمْرُ لِلْإِمَامِ وَلَوْ أَنَّهَا عِنْدَ زَوْجٍ آخَرَ فَلأََنَّهُ قَذَفَهَا وَهِيَ زَوْجَةٌ لَهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: وَأَمَّا قَوْلُنَا: وَلاَ يَضُرُّهُ إمْسَاكُهُ إيَّاهَا بَعْدَ رَمْيِهِ لَهَا، أَوْ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِأَنَّهَا زَنَتْ يَقِينًا وَعَلِمَ بِذَلِكَ، وَلاَ يَضُرُّهُ وَطْؤُهُ لَهَا، فَلأََنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ، وَلاَ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ، وَشَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ.
فَإِنْ تَزَوَّجَ رَجُلاَنِ بِجَهَالَةٍ امْرَأَةً فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، أَوْ ابْتَاعَ أَحَدُهُمَا أَمَةً مِنْ الآخَرِ فَوَطِئَهَا وَكَانَ الأَوَّلُ قَدْ وَطِئَهَا أَيْضًا وَلَمْ يُعْرَفْ أَيُّهُمَا الأَوَّلُ، وَلاَ تَارِيخُ النِّكَاحَيْنِ أَوْ الْمِلْكَيْنِ: فَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ، فَإِنَّهُ إنْ تَدَاعَيَاهُ جَمِيعًا: فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فِيهِ فَأَيُّهُمَا خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ أُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ، وَقُضِيَ عَلَيْهِ لِخَصْمِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدِّيَةِ. إنْ كَانَ وَاحِدًا فَنِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانُوا ثَلاَثَةً فَلَهُمَا ثُلُثَا الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانُوا أَرْبَعَةً فَثَلاَثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ، وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا زَادَ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُتَدَاعِيَانِ أَجْنَبِيَّيْنِ، أَوْ قَرِيبَيْنِ أَوْ أَبًا وَابْنًا، أَوْ حُرًّا وَعَبْدًا. فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالآخَرُ كَافِرًا أُلْحِقَ بِالْمُسْلِمِ، وَلاَ بُدَّ بِلاَ قُرْعَةٍ. فَإِنْ تَدَافَعَاهُ جَمِيعًا، أَوْ لَمْ يُنْكِرَاهُ، وَلاَ تَدَاعَيَاهُ، فَإِنَّهُ يُدْعَى لَهُ بِالْقَافَةِ فَإِنْ شَهِدَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ عَالِمٌ عَدْلٌ فَأَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ بِأَنَّهُ وَلَدُ هَذَا أُلْحِقَ بِهِ نَسَبُهُ، فَإِنْ أَلْحَقَهُ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ بِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا طُرِحَ كَلاَمُهُمْ وَطُلِبَ غَيْرُهُمْ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَلَدٌ وَاحِدٌ ابْنَ رَجُلَيْنِ، وَلاَ ابْنَ امْرَأَتَيْنِ. وَكَذَلِكَ إنْ تَدَاعَتْ امْرَأَتَانِ فَأَكْثَرُ وَلَدًا، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ إحْدَاهُمَا فَهُوَ لَهَا وَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِنَّ كُلِّهِنَّ، أَوْ لَمْ يَتَدَاعَيَاهُ، وَلاَ أَنْكَرَتَاهُ، أَوْ تَدَافَعَتَاهُ دُعِيَ لَهُ الْقَافَةُ كَمَا قلنا. برهان ذَلِكَ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيَّ مَسْرُورًا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ فَقَالَ: أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا نَظَرَ إلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَقَالَ: إنَّ بَعْضَ هَذِهِ الأَقْدَامِ لَمِنْ بَعْضٍ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أرنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، وَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْرُورًا فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ دَخَلَ عَلَيَّ وَعِنْدِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَرَأَى أُسَامَةَ وَزَيْدًا وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ وَقَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا فَقَالَ: هَذِهِ أَقْدَامٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ دَخَلَ قَائِفٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاهِدٌ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مُضْطَجِعَانِ، فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، فَسُرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَأَعْجَبَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَذَكَرَ حَدِيثَ الْعُرَنِيِّينَ وَقَتْلِهِمْ الرِّعَاءَ وَأَخْذِهِمْ إبِلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَنَسٌ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَافَةً فِي طَلَبِهِمْ فَأَتَى بِهِمْ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. فَصَحَّ أَنَّ " الْقِيَافَةَ " عِلْمٌ صَحِيحٌ يَجِبُ الْقَضَاءُ بِهِ فِي الأَنْسَابِ وَالآثَارِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى امْرَأَةٍ لِعَبْدِهِ وَهِيَ أَمَتُهُ قَالَ: فَدَعَا لَهُمَا الْقَافَةَ، فَإِنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَنِي: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ دَعَا الْقَافَةَ فِي رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا فِي الْوُقُوعِ عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، وَادَّعَيَا وَلَدَهَا فَأَلْحَقَهُ بِأَحَدِهِمَا. قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخَذَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَمَنْ بَعْدَهُ بِنَظَرِ الْقَافَةِ فِي مِثْلِ هَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: اُخْتُصِمَ إلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ فِي وَلَدٍ ادَّعَاهُ دُهْقَانٌ، وَرَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ، فَدَعَا الْقَافَةَ فَنَظَرُوا إلَيْهِ فَقَالُوا لِلْعَرَبِيِّ: أَنْتَ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ هَذَا الْعِلْجِ، وَلَكِنْ لَيْسَ بِابْنِك فَخَلِّ عَنْهُ فَإِنَّهُ ابْنُهُ. ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ قَالَ: انْتَفَى ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ وَلَدٍ لَهُ فَدَعَا لَهُ ابْنُ كَلِدَةِ الْقَائِفَ، فَقَالَ لَهُ: أَمَا إنَّهُ وَلَدُهُ، فَادَّعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَأَبُو الزِّنَادِ، كِلاَهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْقَافَةِ. وَبِهِ يَقُولُ قَتَادَةُ، وَغَيْرُهُ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا: إِلاَّ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: لاَ يُحْكَمُ بِقَوْلِ الْقَافَةِ إِلاَّ فِي وَلَدِ أَمَةٍ لاَ فِي وَلَدِ حُرَّةٍ وَهَذَا خَطَأٌ، لأََنَّ الأَثَرَ الَّذِي أَوْرَدْنَا آنِفًا مِنْ قَوْلِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ فِي أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما الَّذِي هُوَ عُمْدَةُ مَالِكٍ وَعُمْدَتُنَا فِي الْحُكْمِ بِالْقَافَةِ إنَّمَا جَاءَ فِي ابْنِ حُرَّةٍ لاَ فِي ابْنِ أَمَةٍ. وَلَمْ يَرَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلاَ أَصْحَابُهُ الْحُكْمَ بِالْقَافَةِ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ حُكْمٌ بِالظَّنِّ وَهُمْ يُشَرِّعُونَ الشَّرَائِعَ، وَيُبْطِلُونَ أَحْكَامَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَحْكَامَ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِيَاسِ الَّذِي يُقِرُّونَ بِأَنَّهُ ظَنٌّ وَقَدْ كَذَبُوا: مَا حَكَمَ الْقَافَةُ بِظَنٍّ، بَلْ بِعِلْمٍ صَحِيحٍ يَتَعَلَّمُهُ مَنْ طَلَبَهُ وَعُنِيَ بِهِ، وَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَحْكُمَ بِالظَّنِّ. ثُمَّ مَعَ هَذَا كُلِّهِ يَحْكُمُونَ بِجَهْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، إذْ يُلْحِقُ الْوَلَدَ بِامْرَأَتَيْنِ يَجْعَلُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أُمَّهُ الَّتِي وَلَدَتْهُ، وَيُورِثُهُ مِنْهُمَا مِيرَاثَ الأَبْنِ مِنْ الْأُمِّ، وَيُورِثُهُمَا مِنْهُ مِيرَاثَ الْأُمِّ مِنْ الْوَلَدِ، وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِ أَخَوَاتِهِمَا جَمِيعًا فَهَذَا هُوَ الرُّعُونَةُ حَقًّا، وَالْجَهْلُ الأَعْمَى، لاَ مَا سُرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَكَمَ بِهِ الصَّحَابَةُ، رضي الله عنهم، وَلاَ يَخْرُجُ عَنْ حُكْمِ الْقَافَةِ شَيْءٌ إِلاَّ مَوْضِعٌ وَاحِدٌ: وَهُوَ الرَّجُلاَنِ فَصَاعِدًا يَتَدَاعَيَانِ الْوَلَدَ فَإِنَّ هَاهُنَا إنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ، وَلاَ عُرْفٌ لأََيِّهِمَا كَانَ الْفِرَاشُ، وَإِلَّا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا. لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ أَوْ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ بِالْيَمَنِ فَأَتَى بِامْرَأَةٍ وَطِئَهَا ثَلاَثَةٌ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلَ اثْنَيْنِ: أَتُقِرَّانِ لِهَذَا بِالْوَلَدِ فَلَمْ يُقِرَّا، ثُمَّ سَأَلَ اثْنَيْنِ: أَتُقِرَّانِ لِهَذَا بِالْوَلَدِ فَلَمْ يُقِرَّا، ثُمَّ سَأَلَ اثْنَيْنِ، حَتَّى فَرَغَ، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَلْزَمَ الْوَلَدَ لِلَّذِي خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ. قال أبو محمد: لاَ يَضْحَكُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ أَنْ يُنْكِرَ مَا يَرَى أَوْ يَسْمَعُ مَا لاَ يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ سُرُورًا بِهِ وَهُوَ عليه الصلاة والسلام لاَ يُسَرُّ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ بَاطِلاً فَيُقِرَّهُ. وَهَذَا خَبَرٌ مُسْتَقِيمُ السَّنَدِ، نَقَلَتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَالْحُجَّةُ بِهِ قَائِمَةٌ، وَلاَ يَصِحُّ خِلاَفُهُ أَلْبَتَّةَ. فإن قيل: إنَّهُ خَبَرٌ اُضْطُرِبَ فِي إسْنَادِهِ، فَأَرْسَلَهُ شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَجْهُولٍ. وَرَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ حَضْرَمَوْتَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قلنا: هَذَا الْعَجَبُ، فَكَانَ مَاذَا قَدْ وَصَلَهُ سُفْيَانُ وَلَيْسَ هُوَ دُونَ شُعْبَةَ عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ وَهُوَ ثِقَةٌ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ وَهُوَ ثِقَةٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَإِنَّ مَنْ يَتَعَلَّلُ بِهَذَا ثُمَّ يَرُدُّ السُّنَّةَ بِرِوَايَةِ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ إنَّ هَذَا لَعَظِيمُ الْمُجَاهَرَةِ، وَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَرْدَعَهُ الْحَيَاءُ عَنْ الرِّضَا بِهِ لاَ سِيَّمَا أَبَا حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابَهُ الْقَائِلِينَ: إنْ ادَّعَى الْوَلَدَ اثْنَانِ وَهُوَ فِي أَيْدِيهِمَا فَ، هُوَ ابْنُهُمَا يَرِثَانِهِ وَيَرِثُهُمَا، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَافْتَضَحُوا فِي اخْتِلاَفِهِمْ كَمَا افْتَضَحُوا فِي اتِّفَاقِهِمْ فِي وَلَدٍ ادَّعَاهُ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ فَصَاعِدًا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ :، هُوَ ابْنُهُمْ كُلُّهُمْ وَلَوْ كَانُوا أَلْفًا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يَكُونُ ابْنَ ثَلاَثَةٍ، وَلاَ يَكُونُ ابْنَ أَكْثَرَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لاَ يَكُونُ إِلاَّ ابْنَ اثْنَيْنِ فَقَطْ لاَ ابْنَ أَكْثَرَ فَهُوَ هُوَ الْفُحْشُ وَالسُّخَامُ وَالضَّلاَلُ لاَ اتِّبَاعُ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَمَوَّهُوا فِي إلْحَاقِهِمْ الْوَلَدَ بِاثْنَيْنِ بِرِوَايَةٍ سَاقِطَةٍ عَنْ عُمَرَ، لأََنَّهَا مُرْسَلَةٌ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ، وَلَمْ يَحْفَظْ سَعِيدٌ عَنْ عُمَرَ شَيْئًا إِلاَّ نَعْيَ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ عَلَى الْمِنْبَرِ، مَعَ أَنَّ فِيهَا: أَنَّهُ حَكَمَ مَعَ الْقَافَةِ بِذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عُمَرَ، وَلَمْ يُدْرِكْهُ أَصْلاً. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِيهِ. وَرِوَايَةٌ عَنْ عَلِيٍّ فِيهَا قَالُوسُ بْنُ أَبِي ظَبْيَانَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَفِيهَا: أَنَّهُ لِلثَّانِي مِنْكُمَا. وَالثَّابِتُ عَنْ عُمَرَ فِي ذَلِكَ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: إنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا وَلَدًا فَدَعَا عُمَرُ الْقَافَةَ، وَاقْتَدَى فِي ذَلِكَ بِبَصَرِ الْقَافَةِ، وَأَلْحَقَهُ بِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ وَعُرْوَةُ قَدْ اعْتَمَرَ مَعَ عُمَرَ. وَرِوَايَةٌ أُخْرَى مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ هِشَامٌ: وَسَمِعْته يُحَدِّثُ أَبِي قَالَ: إنَّ رَجُلَيْنِ وَقَعَا بِامْرَأَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَوَلَدَتْ غُلاَمًا، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ ادَّعَيَاهُ جَمِيعًا فَدَعَا عُمَرُ رَجُلاً مِنْ بَنِي كَعْبٍ فَقَالَ: اُنْظُرْ فَاسْتَبْطِنْ وَاسْتَظْهِرْ فَقَالَ: وَاَلَّذِي أَكْرَمَك بِالْخِلاَفَةِ لَقَدْ اشْتَرَكَ فِيهِ جَمِيعًا، فَضَرَبَهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ حَتَّى اضْطَجَعَ، وَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَدْ ذَهَبَ بِك النَّظَرُ إلَى غَيْرِ مَذْهَبٍ ثُمَّ دَعَا عُمَرُ بِالْمَرْأَةِ فَسَأَلَهَا، فَقَالَتْ: هَذَا كَانَ يَطَؤُنِي، فَإِذَا كَانَ يَطَؤُنِي حَمَانِي مِنْ النَّاسِ حَتَّى إذَا اسْتَمَرَّ بِي الْحَمْلُ خَلاَ بِي فَأَهْرَقْتُ دَمًا كَثِيرًا فَجَاءَنِي هَذَا فَوَطِئَنِي، فَلاَ أَدْرِي مِنْ أَيِّهِمَا هُوَ فَقَالَ الْكَعْبِيُّ: اللَّهُ أَكْبَرُ، شُرَكَاءُ فِيهِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَّا أَنَا فَقَدْ رَأَيْت مَا رَأَيْت، ثُمَّ قَالَ لِلْغُلاَمِ: اخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْت قَالَ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: فَلَقَدْ رَأَيْت حِينَ سَفَعَ أَحَدُهُمَا بِيَدِ الْغُلاَمِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِ. وَرِوَايَةٌ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ تَوْبَةَ الْعَنْبَرِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: اشْتَرَكَ رَجُلاَنِ فِي طُهْرِ امْرَأَةٍ فَوَلَدَتْ غُلاَمًا فَدَعَا عُمَرُ بِالْقَافَةِ فَقَالُوا: قَدْ أَخَذَ الشَّبَهَ مِنْهُمَا جَمِيعًا، فَجَعَلَهُ عُمَرُ بَيْنَهُمَا. قال أبو محمد: تَوْبَةُ الْعَنْبَرِيُّ ضَعِيفٌ، مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ. ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ بِخِلاَفِ قَوْلِهِمْ، لأََنَّهُ حُكْمٌ بِالْقَافَةِ، وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: جَعَلَهُ بَيْنَهُمَا، لَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ أَلْحَقَهُ بِنَسَبِهِمَا، لَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْلِهِ " جَعَلَهُ بَيْنَهُمَا " أَيْ وَقَفَهُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَلُوحَ لَهُ فِيهِ وَجْهُ الْحُكْمِ، لاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِعُمَرَ غَيْرَ هَذَا وَمَا نَعْرِفُ إلْحَاقَ الْوَلَدِ بِاثْنَيْنِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ إِلاَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالثَّابِتُ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام يُكَذِّبُ جَوَازَ كَوْنِ وَلَدٍ مِنْ مَنِيِّ أَبَوَيْنِ. وَهُوَ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ: نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ هُوَ الضَّرِيرُ، وَوَكِيعٌ، قَالاَ جَمِيعًا :، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ ابْتِدَاءَ الْعَدَدِ مِنْ حِينِ وُقُوعِ النُّطْفَةِ، وَبِلاَ شَكٍّ أَنَّ الدَّقِيقَةَ الَّتِي تَقَعُ فِيهَا النُّطْفَةُ فِي الرَّحِمِ هِيَ غَيْرُ الدَّقِيقَةِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا مَنِيُّ الْوَاطِئِ الثَّانِي، فَلَوْ جَازَ أَنْ يُجْمَعَ الْمَاءَانِ فَيَصِيرَ مِنْهُمَا وَلَدٌ وَاحِدٌ، لَكَانَ الْعَدَدُ مَكْذُوبًا فِيهِ، لأََنَّهُ إنْ عَدَّ مِنْ حِينِ وُقُوعِ النُّطْفَةِ الْأُولَى، فَهُوَ لِلأَوَّلِ وَحْدَهُ فَلَوْ اسْتَضَافَ إلَيْهِ الثَّانِيَ لاَبْتَدَأَ الْعَدَدُ مِنْ حِينِ حُلُولِ الْمَنِيِّ الثَّانِي، فَكَانَ يَكُونُ فِي بَعْضِ الأَرْبَعِينَ يَوْمًا نَقْصٌ وَزِيَادَةٌ بِلاَ شَكٍّ، وَهُمْ أَوْلَى بِالْكَذِبِ وَأَهْلِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّادِقِ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَمْ يَحْكُمْ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ ابْنَ امْرَأَتَيْنِ مُحَقِّقًا: أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَدَتْهُ، لَكِنْ أَوْجَبَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَقَّ الْأُمُومَةِ. فَقُلْنَا: وَهَذَا جَوْرٌ وَظُلْمٌ وَبَاطِلٌ بِلاَ شَكٍّ أَنْ يُوجَبَ لِغَيْرِ أُمٍّ حُكْمُ أُمٍّ بِلاَ نَصِّ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَلاَ قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَهُ إِلاَّ الرَّأْيَ الْفَاسِدَ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ تَدَاعَى فِي الْوَلَدِ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ: أُلْحِقَ بِالْمُسْلِمِ، فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةٌ لَهَا زَوْجٌ عَبْدٌ أَوْ حُرٌّ وَلَوْ أَنَّهُ قُرَشِيٌّ فَأُعْتِقَتْ فِي وَاجِبٍ، أَوْ تَطَوُّعٍ، أَوْ بِتَمَامِ أَدَاءِ مُكَاتَبَتِهَا، أَوْ بِأَيِّ وَجْهٍ عَتَقَتْ، فَإِنَّهَا تُخَيَّرُ، فَإِنْ اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ فَلَهَا ذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَارَتْ أَنْ تُقِرَّ عِنْدَهُ فَلَهَا ذَلِكَ، وَقَدْ بَطَلَ خِيَارُهَا، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ فِي اخْتِيَارِهَا فِرَاقَهُ كَعِدَّةِ الطَّلاَقِ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ وُجُوهِ الْفَسْخِ عِدَّةٌ أَصْلاً إِلاَّ فِي هَذَا الْمَكَانِ وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ فِي مَوْتِ الزَّوْجِ فَقَطْ، فَإِنْ أَرَادَا جَمِيعًا أَنْ يَتَنَاكَحَا لَمْ يَجُزْ إِلاَّ بِرِضَاهُمَا، وَبِإِشْهَادٍ، وَصَدَاقٍ، وَوَلِيٍّ، وَلَهُ ذَلِكَ فِي عِدَّتِهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ حَتَّى تُتِمَّ عِدَّتَهَا، وَلاَ يَسْقُطُ خِيَارُهَا إذَا أُعْتِقَتْ طُولَ بَقَائِهَا مَعَهُ، وَلاَ وَطْؤُهُ لَهَا بِرِضَاهَا، أَوْ بِغَيْرِ رِضَاهَا، وَلاَ عِلْمُهَا بِأَنَّ الْخِيَارَ لَهَا فَإِذَا أُوقِفَتْ فَلاَ بُدَّ لَهَا مِنْ أَنْ تَخْتَارَ فِرَاقَهُ أَوْ الْبَقَاءَ مَعَهُ، وَلاَ تُتْرَكُ تَتَأَنَّى فِي ذَلِكَ أَصْلاً. برهان ذَلِكَ: فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَخْيِيرِهِ بَرِيرَةَ إذْ أَعْتَقَتْهَا عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها. وَفِي سَائِرِ مَا ذَكَرْنَا خِلاَفٌ: قَالَ قَوْمٌ: إنَّهَا تُخَيَّرُ تَحْتَ الْعَبْدِ، وَلاَ تُخَيَّرُ تَحْتَ الْحُرِّ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إنْ أُعْتِقَتْ تَحْتَ حُرٍّ فَلاَ خِيَارَ لَهَا. وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَأَبِي قِلاَبَةَ، وَعَطَاءٍ، وَصَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَيَنْسُبُ قَوْمٌ ذَلِكَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلاَ نَعْلَمُ هَذَا عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَقَوْلِنَا. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ " إنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ حُرًّا حِينَ أُعْتِقَتْ وَخُيِّرَتْ فَقَالَتْ: مَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مَعَهُ، وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا ". وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا الثَّقَفِيُّ هُوَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مُذْ سِتِّينَ سَنَةً عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ بَرِيرَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَتْ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ فَذَكَرَتْ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ اشْتَرِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلاَءَ فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ فَأَعْتَقَتْنِي فَكَانَ لِي الْخِيَارُ. قال أبو محمد: فَعَمَّتْ بَرِيرَةُ وَلَمْ تُخَصَّ تَحْتَ عَبْدٍ مِنْ حُرٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ لَهَا الْخِيَارَ عَلَى الْحُرِّ . وَبِهِ يَقُولُ هُشَيْمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ :، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ " إذَا أُعْتِقَتْ الأَمَةُ فَلَهَا الْخِيَارُ مَا لَمْ يَطَأْهَا زَوْجُهَا " فَعَمَّ عُمَرُ وَلَمْ يَخُصَّ عَبْدًا مِنْ حُرٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ فِي الأَمَةِ تُعْتَقُ تَحْتَ زَوْجٍ: فَهِيَ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا وَلَوْ أَنَّهُ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ فِي الأَمَةِ تُعْتَقُ تَحْتَ زَوْجٍ أَنَّهَا تُخَيَّرُ وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَ قُرَشِيٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ " إذَا أُعْتِقَتْ تَحْتَ حُرٍّ فَلَهَا الْخِيَارُ ". وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ إذَا أُعْتِقَتْ عِنْدَ حُرٍّ فَلَهَا الْخِيَارُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ حُرًّا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: إذَا أُعْتِقَتْ عِنْدَ حُرٍّ فَلَهَا الْخِيَارُ. قال أبو محمد: وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يُوجِبْ لَهَا الْخِيَارَ إِلاَّ تَحْتَ الْعَبْدِ: بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ عَبْدًا لِبَنِي فُلاَنٍ كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ :، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ نَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَقَتَادَةَ، كِلاَهُمَا عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا حِينَ أُعْتِقَتْ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ نَا الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ " كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا ". وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَوْهَبٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: كَانَ لِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ غُلاَمٌ وَجَارِيَةٌ، قَالَتْ: فَأَرَدْت أَنْ أُعْتِقَهُمَا، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ابْتَدِي بِالْغُلاَمِ قَبْلَ الْجَارِيَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَهُ: أَنَّ رِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثُوهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَيُّمَا أَمَةٍ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ فَعَتَقَتْ فَهِيَ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَطَأْهَا زَوْجُهَا. وَقَالُوا: مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ: كُلُّ عَقْدِ نِكَاحٍ صَحِيحٌ فَلاَ يَجُوزُ فَسْخُهُ إِلاَّ بِيَقِينٍ. وَقَالَ أَصْحَابُ الْقِيَاسِ مِنْهُمْ: إنَّمَا جُعِلَ لَهَا الْخِيَارُ لِفَضْلِ الْحُرِّيَّةِ عَلَى الرِّقِّ فَإِذَا سَاوَاهَا فَلاَ خِيَارَ لَهَا هَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ. قال أبو محمد: وَكُلُّ هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ: أَمَّا الآثَارُ بِأَنَّهُ كَانَ عَبْدًا، فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها كَمَا أَوْرَدْنَا وَإِنَّمَا رَوَى هَذَا الْخَبَرَ عَنْهَا ثَلاَثَةٌ الأَسْوَدُ، وَعُرْوَةُ، وَالْقَاسِمُ: فأما الأَسْوَدُ فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا. وَأَمَّا عُرْوَةُ فَرُوِيَ عَنْهُ كَمَا أَوْرَدْنَا أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا خِلاَفُ ذَلِكَ :، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ، حَدَّثَنَا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ، حَدَّثَنَا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ الْمُعَلِّمُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ حُرًّا فَتَعَارَضَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. وَأَمَّا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، فَذَكَرَتْ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا ثُمَّ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَعْدَ ذَلِكَ: مَا أَدْرِي فَاضْطَرَبَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَبَقِيَتْ رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا حِينَ أُعْتِقَتْ وَقَدْ عَارَضَتْهَا الرِّوَايَةُ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا حِينَ أُعْتِقَتْ فَتَرَكْنَا الْكَلاَمَ فِي ذَلِكَ حَتَّى نَتَكَلَّمَ فِي: حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ. وَحَدِيثِ ابْنِ مَوْهَبٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. قال أبو محمد: أَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ: أَيُّمَا أَمَةٍ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ فَعَتَقَتْ، فَهِيَ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَطَأْهَا زَوْجُهَا فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ طَرِيقِ حَسَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ لاَ يُعْرَفُ فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ حُجَّةٌ أَنْ لاَ تَخَيُّرَ تَحْتَ حُرٍّ، إنَّمَا فِيهِ حُكْمُ عِتْقِهَا تَحْتَ الْعَبْدِ فَقَطْ، وَسَكَتَ فِيهِ عَنْ عِتْقِهَا تَحْتَ الْحُرِّ فَإِنْ صَحَّ فِي خَبَرٍ آخَرَ مَا يُوجِبُ عِتْقَهَا تَحْتَ الْحُرِّ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَوْهَبٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهُ كَانَ لَهَا عَبْدٌ وَجَارِيَةٌ فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَبْدَأَ فِي الْعِتْقِ بِالْغُلاَمِ قَبْلَ الْجَارِيَةِ فَإِنَّهُ خَبَرٌ لاَ يَصِحُّ: رُوِّينَا عَنْ الْعُقَيْلِيِّ، أَنَّهُ قَالَ وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ فَقَالَ: هَذَا خَبَرٌ لاَ يُعْرَفُ إِلاَّ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَوْهَبٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهِ: قال أبو محمد: ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ حُجَّةٌ، لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُمَا كَانَا زَوْجَيْنِ فَإِقْحَامُ الْقَوْلِ بِالدَّعْوَى كَذِبٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ أَنَّهُمَا كَانَا زَوْجَيْنِ، فَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَمَرَ بِذَلِكَ لِيُسْقِطَ خِيَارَ الزَّوْجَةِ وَإِقْحَامُ هَذَا فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ كَذْبَةٌ بَائِنَةٌ هَذَا عَظِيمٌ لاَ يَسْتَجِيزُهُ مَنْ يَهَابُ الْكَذِبَ، لاَ سِيَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ يُوجِبُ النَّارَ. وَقَدْ يُمْكِنُ لَوْ صَحَّ الْخَبَرُ أَنْ يَكُونَ أَمْرُهَا أَنْ تَبْدَأَ بِعِتْقِ الْعَبْدِ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: لاَ يَحِلُّ فَسْخُ عَقْدِ نِكَاحٍ صَحِيحٍ إِلاَّ بِيَقِينٍ فَصَدَقُوا، وَلَوْلاَ الْيَقِينُ مَا قلنا بِهِ، وَأَمَّا قَوْلُ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ: إنَّمَا جُعِلَ لَهَا الْخِيَارُ تَحْتَ الْعَبْدِ لِفَضْلِ الْحُرِّيَّةِ عَلَى الرِّقِّ فَهَذِهِ دَعْوَى كَاذِبَةٌ، لاَ يَجِدُونَهَا أَبَدًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَى أَنْ نَنْسُبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ أَمْرَ كَذَا مِنْ أَجْلِ أَمْرِ كَذَا، مِمَّا لَمْ يُخْبِرْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَلاَ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلاَ إنَّ هَذَا لَهُوَ الْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلاَ شَكٍّ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ. قال أبو محمد: فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ تَعَارُضُ الرِّوَايَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا إذْ أُعْتِقَتْ، لِلرِّوَايَةِ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ " كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ حُرًّا إذْ أُعْتِقَتْ ". وَكِلاَ الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيحَةٌ، لاَ سِيَّمَا رِوَايَةَ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَتُعَارِضُ الرِّوَايَةَ عَنْ عُرْوَةَ فِي ذَلِكَ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُعَارِضٌ لِرِوَايَةِ الْقَاسِمِ، فَوَجَدْنَا كُلَّ ذَلِكَ مُتَّفَقًا لاَ تَكَاذُبَ فِيهِ، وَمَا دَامَ يُمْكِنُ تَأْلِيفُ رِوَايَاتِ الثِّقَاتِ فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُنْسَبَ الْكَذِبُ إلَى بَعْضِهِمْ، أَوْ الْوَهْمُ. فَاعْلَمُوا أَنَّ مَنْ قَالَ: كَانَ عَبْدًا، وَمَنْ قَالَ: كَانَ حُرًّا، يَصِحُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا قَبْلُ ثُمَّ أُعْتِقَ، فَصَارَ حُرًّا، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَخْرُجُ هَذَا فِي الرِّوَايَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا حِينَ أُعْتِقَتْ، لَكِنَّهُ يَخْرُجُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَدْرِيهِ عَبْدًا، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِحُرِّيَّتِهِ. وَرَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها مَا كَانَ فِي عِلْمِهَا مِنْ الزِّيَادَةِ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا حِينَ أُعْتِقَتْ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ: وَلَوْ كَانَ حُرًّا مَا خَيَّرَهَا: أَنَّهُ مِنْ كَلاَمِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ مَنْ دُونَهَا فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهَا قَوْلٌ بِظَنٍّ، وَلاَ يَخْتَلِفُ مَالِكِيٌّ، وَلاَ شَافِعِيٌّ، وَلاَ حَنْبَلِيٌّ، وَلاَ ظَاهِرِيٌّ، فِي أَنَّ عَدْلَيْنِ لَوْ شَهِدَا بِأَنَّ هَذَا نَعْرِفُهُ عَبْدًا مَمْلُوكًا، وَشَهِدَ عَدْلاَنِ آخَرَانِ: أَنَّنَا نَدْرِيهِ حُرًّا، فَإِنَّ الْحُكْمَ يَجِبُ بِقَوْلِ مَنْ شَهِدَ الْحُرِّيَّةَ، لأََنَّهُ شَهِدَ بِفَضْلِ عِلْمٍ كَانَ عِنْدَهُ. ثُمَّ نَدْعُ هَذَا كُلَّهُ، فَنَقُولُ: هَبْكُمْ أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ أَحَدٌ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا، بَلْ لَمْ يَخْتَلِفْ الرُّوَاةُ فِي أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا حِينَ أُعْتِقَتْ هَلْ جَاءَ قَطُّ فِي شَيْءٍ مِنْ الأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إنَّمَا خَيَّرْتُهَا؛ لأََنَّهَا تَحْتَ عَبْدٍ، وَلَوْ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا مَا خَيَّرْتهَا هَذَا أَمْرٌ لاَ يَجِدُونَهُ أَبَدًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ فِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ، وَلاَ سَقِيمَةٍ، فَإِذْ لاَ سَبِيلَ إلَى وُجُودِ هَذَا أَبَدًا فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمَّا أُعْتِقَتْ بَرِيرَةُ خَيَّرَهَا فِي الْبَقَاءِ مَعَ زَوْجِهَا أَوْ فِرَاقِهِ، فَهَذَا لاَ شَكَّ فِيهِ، فَلاَ يَجُوزُ تَعَدِّيهِ، وَلاَ زِيَادَةُ حُكْمٍ فِيهِ. وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام إنَّمَا خَيَّرَهَا؛ لأََنَّهُ كَانَ عَبْدًا، وَبَيْنَ آخَرَ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يُخَيِّرْهَا إِلاَّ لأََنَّهُ كَانَ أَسْوَدَ، وَبَيْنَ ثَالِثٍ ادَّعَى أَنَّ تَخْيِيرَهَا إنَّمَا كَانَ، لأََنَّ اسْمَهُ مُغِيثٌ. وَكُلُّ هَذِهِ ظُنُونٌ كَاذِبَةٌ لاَ يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهَا، وَلاَ الْحُكْمُ بِهَا، وَإِنَّمَا الْحَقُّ أَنَّ الْمُعْتَقَةَ خَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ فِرَاقِ زَوْجِهَا، وَالْبَقَاءِ مَعَهُ، وَلاَ مَزِيدَ، فَوَاجِبٌ أَنْ تُخَيَّرَ كُلُّ مُعْتَقَةٍ، وَلاَ مَزِيدَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ: هَلْ يَنْقَطِعُ خِيَارُهَا بِوَطْءِ زَوْجِهَا لَهَا أَمْ لاَ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي أَمْرِ بَرِيرَةَ: إنْ غَشِيَهَا زَوْجُهَا فَلاَ خِيَارَ لَهَا وَهَذَا مُنْقَطِعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: أَعْتَقَتْ حَفْصَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ جَارِيَةً يُقَالُ لَهَا " زَبْرَاءُ " ثُمَّ قَالَتْ لَهَا: اعْلَمِي أَنَّهُ إنْ وَطِئَك فَلاَ خِيَارَ لَك وَبِهِ كَانَ يَقُولُ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهَا إنْ وَطِئَهَا وَهِيَ لاَ تَعْلَمُ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ: لَمْ يَسْقُطْ بِذَلِكَ خِيَارُهَا، وَإِنْ عَلِمَتْ فَقَدْ سَقَطَ خِيَارُهَا: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إذَا جَامَعَهَا بَعْدَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ، فَلاَ خِيَارَ لَهَا وَهَذَا مُنْقَطِعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: أُخْبِرْت عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: إنْ أَصَابَهَا وَقَدْ عَرَفَتْ فَلَيْسَ لَهَا خِيَارٌ، وَإِنْ أَصَابَهَا وَلَمْ تَعْرِفْ فَإِنَّ لَهَا الْخِيَارَ إذَا عَلِمَتْ، وَإِنْ أَصَابَهَا أَلْفَ مَرَّةٍ حَتَّى يَشْهَدَ الْعُدُولُ: أَنَّهَا قَدْ عَلِمَتْ: أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ وَهَذَا مُنْقَطِعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: أُخْبِرْت، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: إنْ أُعْتِقَتْ عِنْدَ عَبْدٍ وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ، أَوْ لَمْ تُخَيَّرْ حَتَّى عَتَقَ زَوْجُهَا، أَوْ يَمُوتُ أَوْ تَمُوتُ: تَوَارَثَا وَهَذَا شَدِيدُ الأَنْقِطَاعِ. وَبِهِ يَقُولُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ. وَقَوْلٌ آخَرُ، وَآخَرُ فِي دَرَجَةٍ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ: إذَا أُعْتِقَتْ وَزَوْجُهَا مَعَهَا فِي مَجْلِسٍ وَهِيَ تَعْلَمُ حَتَّى تَقُومَ فَلاَ خِيَارَ لَهَا، فَإِنْ ادَّعَتْ: أَنَّهَا لَمْ تَعْلَمْ اُسْتُحْلِفَتْ، ثُمَّ خُيِّرَتْ، قَالَ سُفْيَانُ :. وَبِهِ يَقُولُ نَاسٌ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ أَبَدًا حَتَّى يَقِفَهَا الْإِمَامُ فَيُخَيِّرَهَا، بَلَغَنِي هَذَا عَنْهُ قال أبو محمد: فَهَذَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَذْكُرُ مِثْلَ قَوْلِنَا عَمَّنْ مَعَهُ، أَوْ مَنْ قَبْلَهُ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ كَمَا أَوْرَدْنَا أَنَّهَا قَدْ تَبْقَى مَعَهُ، وَلاَ تَخْتَارُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ تَمُوتَ. وقال أبو حنيفة وَأَصْحَابُهُ: لَهَا الْخِيَارُ مَا لَمْ تَعْلَمْ: فَإِذَا عَلِمَتْ فَلاَ خِيَارَ لَهَا إِلاَّ مَا دَامَتْ فِي الْمَجْلِسِ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِالْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ: مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ وَقَدْ بَيَّنَّا سُقُوطَهُ. وَذَكَرُوا أَيْضًا أَثَرًا آخَرَ: مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى هُوَ أَبُو الأَصْبَغِ الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، وَأَبَانَ بْنِ صَالِحٍ، وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: إنَّ بَرِيرَةَ، وَقَالَ أَبَانُ عَنْ مُجَاهِدٍ: إنَّ بَرِيرَةَ، وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: إنَّ بَرِيرَةَ عَتَقَتْ. ثُمَّ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيَّرَهَا وَقَالَ لَهَا: إنْ قَرَبَكِ فَلاَ خِيَارَ لَكِ قال أبو محمد: أَبُو الأَصْبَغِ الْحَرَّانِيُّ ضَعِيفٌ مُنْكِرٌ الْحَدِيثَ قال أبو محمد: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ لَهَا الْخِيَارَ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُسْقِطَهُ وَطْؤُهُ، وَلاَ طُولُ مَقَامِهِ مَعَهَا إذْ لَمْ يَصِحَّ بِذَلِكَ نَصٌّ، وَلاَ يَبْطُلُ حُكْمُهُ عليه الصلاة والسلام بِالآرَاءِ، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَهُ عليه الصلاة والسلام وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. . وَقَالَ قَوْمٌ: لاَ تُخَيَّرُ الْمُكَاتَبَةُ إذَا أُعْتِقَتْ. صَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: إنْ أَعَانَهَا زَوْجُهَا فِي كِتَابَتِهَا فَلاَ خِيَارَ لَهَا. وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ: لاَ خِيَارَ لِلْمُكَاتَبَةِ إذَا أُعْتِقَتْ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَأَبِي قِلاَبَةَ، وَالزُّهْرِيِّ. وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيِّ. وَرُوِّينَاهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ وَبِهِ نَقُولُ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْكِتَابَةِ فَلاَ خِيَارَ لَهَا، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الْكِتَابَةِ، أَوْ كَانَتْ مَعَهُ فَلَهَا الْخِيَارُ. قال أبو محمد: خَيَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُعْتَقَةَ، وَلَمْ يَخُصَّ مُكَاتَبَةً مِنْ غَيْرِهَا، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ مُعْتَقَةً مِنْ مُعْتَقَةٍ. وَمِمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ: هَلْ اخْتِيَارُهَا فِرَاقَ زَوْجِهَا فَسْخٌ أَوْ طَلاَقٌ فَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَرُوِّينَاهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَأَصْحَابِهِمَا، وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَصَحَّ أَنَّهُ فَسْخٌ لاَ طَلاَقٌ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. وَرُوِّينَاهُ عَنْ طَاوُوس، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. قال أبو محمد: التَّسْمِيَةُ فِي الشَّرِيعَةِ لَيْسَتْ إِلاَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُسَمِّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ فِرَاقَ الْمُعْتَقَةِ لِزَوْجِهَا طَلاَقًا، وَلاَ جَعَلَ لَهُ مِنْ أَحْكَامِ الطَّلاَقِ غَيْرَ الْعِدَّةِ وَحْدَهَا، فَلاَ يَحِلُّ تَسْمِيَتُهُ طَلاَقًا قَالَ تَعَالَى: قال أبو محمد: إذْ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ طَلاَقًا، فَقَدْ بَطَلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ، لأََنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا نِصْفَ الصَّدَاقِ إِلاَّ فِي الطَّلاَقِ قَبْلَ الْمَسِّ فَقَطْ. وَوَجَدْنَاهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} فَصَحَّ أَنَّ الصَّدَاقَ لَهَا فَلاَ يُسْقِطُهُ شَيْءٌ، وَلاَ شَيْئًا مِنْهُ إِلاَّ حَيْثُ أَسْقَطَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، النِّصْفَ فِي الطَّلاَقِ قَبْلَ الْمَسِّ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَظُلْمٌ لاَ شَكَّ فِيهِ. فإن قيل: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: هُوَ لَهَا بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا. قلنا: نَعَمْ، وَعَقْدُ نِكَاحِهَا اسْتِحْلاَلٌ لِفَرْجِهَا، وَلَمْ يَقُلْ عليه الصلاة والسلام إنَّهُ لَهَا بِوَطْئِك لَهَا، فَوَجَبَ أَنَّ لَهَا جَمِيعَ الصَّدَاقِ. وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ مُنْفَسِخَةِ النِّكَاحِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِلِعَانٍ، أَوْ بِأَنْ تَصِيرَ حَرِيمَتَهُ بِرَضَاعٍ، أَوْ بِأَنْ يَطَأَهَا أَبُوهُ، أَوْ جَدُّهُ، أَوْ ابْنُهُ بِجَهَالَةٍ، أَوْ بِزِنًى، أَوْ بِأَنْ تُسْلِمَ هِيَ وَهُوَ كَافِرٌ أَوْ بِأَنْ يُسْلِمَ هُوَ وَهِيَ غَيْرُ كِتَابِيَّةٍ أَوْ بِأَنْ تَرْتَدَّ هِيَ، أَوْ هُوَ، أَوْ كِلاَهُمَا، أَوْ بِأَنْ تَمُوتَ هِيَ، أَوْ هُوَ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي إسْلاَمِهَا دُونَهُ: فَأَبْطَلَ قَوْمٌ صَدَاقَهَا بِذَلِكَ وَهَذَا عَوْنٌ لِلشَّيْطَانِ، وَصَدٌّ عَنْ الإِسْلاَمِ وَهَلْ صَدَاقُهَا إِلاَّ كَدَيْنٍ لَهَا قِبَلَهُ مِنْ سَائِرِ دُيُونِهَا، وَلاَ فَرْقَ. قال أبو محمد: وَلاَ مُتْعَةَ لَهَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ الْمُتْعَةَ إِلاَّ فِي الطَّلاَقِ فَقَطْ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ.
وَمَنْ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَمَلَكَهَا، أَوْ بَعْضَهَا قَلَّ الْجُزْءُ الَّذِي مَلَكَ مِنْهَا أَوْ كَثُرَ بِأَيِّ وَجْهٍ مَلَكَ ذَلِكَ، مِنْ مِيرَاثٍ؛ أَوْ ابْتِيَاعٍ، أَوْ هِبَةٍ؛ أَوْ إجَارَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَقَدْ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ مِنْهَا إثْرَ الْمِلْكِ بِلاَ فَصْلٍ، وَسَوَاءٌ أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ إثْرَ ذَلِكَ بِعِتْقٍ؛ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يُخْرِجْهَا. وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً بِعَبْدٍ فَمَلَكَتْهُ، أَوْ بَعْضَهُ، بِأَيِّ وَجْهٍ مَلَكَتْ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْمِلْكِ: فَقَدْ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا مِنْهُ بِلاَ فَصْلٍ، وَسَوَاءٌ أَخْرَجَتْهُ عَنْ مِلْكِهَا إثْرَ ذَلِكَ بِعِتْقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ لَمْ تُخْرِجْهُ. فَلَوْ مَلَكَ الأَمَةَ ابْنُ زَوْجِهَا، أَوْ أَبُو زَوْجِهَا، أَوْ أُمُّ زَوْجِهَا؛ أَوْ عَبْدُ زَوْجِهَا، أَوْ مَلَكَ الْعَبْدَ أَبُو امْرَأَتِهِ، أَوْ ابْنُهَا؛ أَوْ أُمُّهَا؛ أَوْ عَبْدُهَا، أَوْ أَبُوهَا لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَوْ ابْتَدَأَ الرَّجُلُ نِكَاحَ أَمَةِ أَبِيهِ الَّتِي لَمْ تَحِلَّ لأََبِيهِ قَطُّ، أَوْ أَمَةِ ابْنِهِ الَّتِي لَمْ تَحِلَّ لأَبْنِهِ قَطُّ، أَوْ أَمَةِ أُمِّهِ، أَوْ أَمَةِ ابْنَتِهِ، أَوْ أَمَةِ أَمَتِهِ، أَوْ أَمَةِ عَبْدِهِ، أَوْ ابْتَدَأَتْ امْرَأَةٌ نِكَاحَ عَبْدِ أَبِيهَا، أَوْ عَبْدِ ابْنِهَا، أَوْ عَبْدِ أُمِّهَا، أَوْ عَبْدِ ابْنَتِهَا، أَوْ عَبْدِ عَبْدِهَا، أَوْ عَبْدِ أَمَتِهَا: لَكَانَ كُلُّ ذَلِكَ حَلاَلاً جَائِزًا. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَكَذَلِكَ قوله تعالى: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ الْكَلاَعِيِّ عَنْ مَكْحُولٍ فِي امْرَأَةٍ وَرِثَتْ زَوْجَهَا وَهُوَ عَبْدٌ عَنْ بَعْضِ وَلَدِهَا قَالَ: لاَ تَحِلُّ لَهُ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: يُؤْمَرُ بِطَلاَقِهَا. وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: إنْ أَعْتَقَتْهُ بَعْدَ أَنْ مَلَكَتْهُ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا. قال أبو محمد: وَهَذَا خَطَأٌ لأََنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا وَلَوْ طَرْفَةَ عَيْنٍ وَلَوْ صَحَّ طَرْفَةَ عَيْنٍ لَصَحَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَةُ الأَبْنِ لَيْسَتْ أَمَةً لأََبِيهِ، وَلاَ لأَبْنِهِ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: قلنا: هَذَا مَنْسُوخٌ بِالْمَوَارِيثِ وَبِالآيَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. كَمُلَ كِتَابُ النِّكَاحِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَلاَ عِدَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ وُجُوهِ الْفَسْخِ الَّذِي ذَكَرْنَا إِلاَّ فِي الْوَفَاةِ وَفِي الْمُعْتَقَةِ الَّتِي تَخْتَارُ فِرَاقَ زَوْجِهَا، لأََمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمَا بِالْعِدَّةِ، وَلَمْ يَأْمُرْ غَيْرَهُمَا بِعِدَّةٍ، وَلاَ يَجُوزُ أَمْرُهَا بِذَلِكَ؛ لأََنَّهُ شَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى. وَلاَ يَجُوزُ قِيَاسُ الْفَسْخِ عَلَى الطَّلاَقِ، لأََنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ، لأََنَّ الطَّلاَقَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِلَفْظِ الْمُطَلِّقِ وَاخْتِيَارِهِ، وَالْفَسْخُ يَقَعُ بِغَيْرِ لَفْظِ الزَّوْجِ أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ فَكَيْفَ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانُوا إذَا هَاجَرَتْ امْرَأَةٌ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَمْ تُخْطَبْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ، فَإِذَا طَهُرَتْ حَلَّ لَهَا النِّكَاحُ. فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ يَحْكِي: أَنَّ هَذَا فِعْلُ الصَّحَابَةِ جُمْلَةً فَلاَ يَجُوزُ خِلاَفُهُ، وَبِذَلِكَ جَاءَ النَّصُّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
|